اضطهاد المسلمين في الهند- تكتيكات جديدة واستمرار الكراهية بعد الانتخابات.

على الرغم من تراجع نفوذ حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي، الذي يُعتبر منبعًا للكراهية والتعصب ضد المسلمين، في الانتخابات الأخيرة بالهند، إلا أن المسلمين لا يزالون يواجهون صنوفًا من التضييق والاضطهاد. لم يتمكن حزب بهاراتيا جاناتا من تحقيق الأغلبية المطلقة، واضطر إلى تشكيل حكومة ائتلافية بالاعتماد على دعم بعض الأحزاب الإقليمية ذات التوجهات العلمانية المعلنة.
كان الأمل يحدو الكثيرين بأن يكون التراجع الانتخابي بمثابة درس قاسي للحزب الحاكم وحلفائه "العلمانيين" الجدد، ورادعًا لسياسات الحزب المناهضة للمسلمين والتي تهدف إلى تهميشهم وإقصائهم.
ولكن، بعد مرور شهر على تشكيل الحكومة الجديدة، تبددت هذه الآمال الوردية. فقد لجأت السلطات في الولايات التي يهيمن عليها حزب بهاراتيا جاناتا، بما في ذلك الشرطة والإدارة المدنية، إلى ابتكار أساليب جديدة لمضايقة وإذلال ومهاجمة المسلمين في أعقاب الانتخابات، مما يعكس استمرار النهج العدائي ضدهم.
تمييز مُمنهج ضد الشركات الإسلامية
أحدث مثال على هذا التوجه هو ما جرى في ولاية أوتار براديش، التي تُعد معقلًا لحزب بهاراتيا جاناتا وأكبر مُصدر للنواب إلى البرلمان الهندي.
ففي وقت سابق من هذا الشهر، أصدرت شرطة الولاية أوامرًا تقضي بإلزام المطاعم وحتى عربات الطعام المنتشرة على طول الطريق الذي يسلكه آلاف الحجاج الهندوس سنويًا، بعرض أسماء أصحابها وموظفيها على لوحات بارزة.
وبررت الشرطة هذا القرار بأنه يهدف إلى "مساعدة الحجاج" الذين يسافرون سيرًا على الأقدام إلى الأماكن المقدسة خلال شهر "شرافان المقدس"، وذلك لتجنب شراء الطعام من المؤسسات التي قد تقدم أصنافًا لا تتوافق مع السلوكيات المقدسة التي يتعين عليهم اتباعها خلال الحج الهندوسي.
وسرعان ما اقتفت ولايتا أوتاراخاند وماديا براديش الأثر نفسه، وأصدرتا أوامر مماثلة تلزم جميع مؤسساتهما التجارية بعرض أسماء أصحابها وموظفيها بشكل واضح. بل وذهبت السلطات في مدينة أوجين في ماديا براديش، وهي وجهة حج هندوسية رئيسية، إلى التهديد بفرض غرامات باهظة على المخالفين.
من الواضح أن هذه الإجراءات ليست مجرد سياسة بريئة تهدف إلى "مساعدة" الحجاج الهندوس على الالتزام بنظامهم الغذائي النباتي، بل هي وسيلة مُحكمة لتحديد المؤسسات المملوكة للمسلمين، والتأكد من عدم إقبال الهندوس عليها وتجنبهم التعامل معهم تجاريًا.
تنفي السلطات بشدة أن تكون هذه السياسة تنطوي على تمييز ضد الشركات الإسلامية، وتدعي أنها "محايدة دينيًا". وتزعم أن الشرط الجديد لا يستهدف أي فئة دينية بعينها، لكنها تتجاهل تفسير الكيفية التي يمكن بها لمعرفة أسماء أصحاب المطاعم وموظفيها أن "تساعد الحجاج الهندوس" في تحديد ما إذا كان المطعم يقدم طعامًا يتوافق مع متطلباتهم الغذائية أم لا.
دور المحاكم في مواجهة التمييز
تعلل السلطات موقفها بالإشارة إلى أن حالات سابقة من "إخفاء أصحاب المطاعم هوياتهم" قد أدت إلى "ارتباك" في أذهان الحجاج الهندوس، الأمر الذي تسبب بدوره في "مشاكل تتعلق بالقانون والنظام".
ما تقصده الشرطة بذلك هو أن بعض أصحاب الأعمال المسلمين قد أطلقوا أسماء هندوسية على مطاعمهم، وعندما اكتشف بعض الحجاج الهندوس لاحقًا أن أصحاب المطاعم أو الموظفين كانوا مسلمين، انخرطوا في أعمال عنف. وتتلخص حجة الشرطة في أن إلزام جميع أصحاب الأعمال وموظفي المطاعم بالإعلان عن أسمائهم سيحول دون وقوع فوضى وأعمال عنف.
هذه حجة واهية وغير منطقية. فإذا كان الهندوس هم من يثيرون الفوضى بسبب تصوراتهم الخاطئة حول هوية صاحب المحل وموظفيه، فلماذا يُطلب من المسلمين اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع المزيد من الاعتداءات؟ وكيف يمكن للكشف عن هويات أصحاب المطاعم وموظفيها أن يزيل الارتباك من أذهان الهندوس؟
على سبيل المثال، تمنح سلسلة مطاعم ماكدونالدز امتيازات لمسلمين وهندوس في مختلف أنحاء الهند، ولكن جميع الفروع تقدم نفس قائمة الطعام تمامًا. فهل هناك فرق، من وجهة نظر الزبائن، بين فرع ماكدونالدز المملوك لشخص يُدعى رام، وآخر مملوك لشخص آخر يُدعى رحيم علي؟
وهل تؤثر هوية المالك أو العاملين في أي فرع من الفروع بأي شكل من الأشكال على محتوى الطعام المعروض؟
من الواضح أن هذه القاعدة الجديدة لا تهدف إلى مساعدة الحجاج الهندوس على تجنب تناول طعام يتعارض مع السلوكيات المقدسة المتوقعة منهم، بل ترمي إلى تشجيعهم على تجنب التعامل مع المؤسسات المملوكة للمسلمين، مع افتراض ضمني بأن أي طعام يتم استهلاكه في مثل هذا المكان قد يلوث أجسادهم بطريقة أو بأخرى.
ولتعزيز حججهم، أعاد بعض المؤيدين للقاعدة الجديدة تداول دعاية قديمة بقوة متجددة، مفادها أن المسلمين "يبصقون على المواد الغذائية قبل بيعها" وأنهم "يخلطون عمدًا أشياء نجسة في الطعام بهدف تدنيس الهندوس".
وحاولوا تبرير أوامر الشرطة بالقول إنه لا يمكن الوثوق بالمسلمين في الالتزام بمعايير نظافة الأغذية، وبالتالي يحق للهندوس معرفة ما إذا كان المطعم مملوكًا لمسلم أم لا.
إن هذه القواعد التي تأمر أصحاب المطاعم وعربات الطعام بالكشف عن هوياتهم، ليست في جوهرها سوى تحريض برعاية الدولة للهندوس على مقاطعة المحلات التجارية الإسلامية، أو حتى تلك المملوكة لهندوس يجرؤون على توظيف عمال مسلمين.
أثار هذا الأمر استياءً واسعًا ومفهومًا، لكن حكومة ولاية أوتار براديش ضاعفت من جهودها وأعلنت أنها ستطبق هذا الشرط ليس فقط على الشركات الموجودة على طريق الحج الهندوسي، بل على جميع المؤسسات في جميع أنحاء الولاية. ثم حذت ولايات أخرى حذو ولاية أوتار براديش ووسعت نطاق أوامرها أيضًا.
سرعان ما تم رفع الأمر إلى المحكمة العليا. وحاولت المحكمة فهم دوافع الشرطة من إصدار هذا الأمر. وتساءل القضاة عما إذا كانت السلطات ترغب أيضًا في معرفة هوية المزارع الذي زرع محصول القمح أو الأرز المستخدم في صنع المواد الغذائية التي تباع على طرق الحج.
فبعد كل شيء، يمكن لرامشاران، الهندوسي، أن يبيع الخضراوات التي زرعها رحيم علي، المسلم! إلى أي مدى يمكن للمرء أن يذهب في ضمان قدسية الطعام؟ بل إن أحد القضاة شارك تجربته الشخصية في تفضيل مطعم مملوك لمسلم على مطعم آخر مملوك لهندوسي، نظرًا لالتزام الأول بالمعايير الدولية للنظافة.
وفي نهاية المطاف، قضت المحكمة العليا بأنه لا يجوز إجبار المطاعم على عرض أسماء أصحابها، وأوقفت أوامر الشرطة المثيرة للجدل. وأكد القضاة أنه في حين يمكن توقع أن تذكر المطاعم نوع الطعام الذي تقدمه، بما في ذلك ما إذا كان نباتيًا، "لا ينبغي إجبارها" على عرض أسماء وهويات أصحابها أو موظفيها.
تأثير الأيديولوجية المعادية للمسلمين على الحكومة
على الرغم من تعليق هذه الأوامر، على الأقل في الوقت الحالي، إلا أن أوامر الشرطة الموجهة إلى أصحاب المطاعم والموظفين قد أرسلت رسالة واضحة إلى المسلمين في الهند، مفادها أن السلطات في هذا البلد لن تفوت أبدًا فرصة لاضطهادهم بسبب هويتهم الدينية.
والواقع أن قوة حزب بهاراتيا جاناتا وسلطته مرتبطة بشكل وثيق بالاضطهاد المستمر للمسلمين. وإذا لم يتمكنوا من قتل المسلمين بأعداد كبيرة، فإنهم سيعملون على إفقارهم من خلال التضييق على سبل عيشهم، وذلك لإرضاء أنصارهم الهندوس وإيهامهم بأنهم يكافحون من أجل الحفاظ على تفوقهم في المجتمع.
ولهذا السبب، وبينما كانت السلطات تجبر الشركات على الكشف عن هوية أصحابها، قامت في الوقت نفسه بحظر إصدار شهادات الحلال.
يحتاج المسلمون الملتزمون بتعاليم دينهم إلى معرفة ما إذا كانت المنتجات التي يستخدمونها، والتي تحتوي على مكونات حيوانية (مثل مستحضرات التجميل)، حلالًا أم لا.
ومن الأهمية بمكان بالنسبة للمسلمين المتدينين أن يعرفوا ما إذا كان الكحول أو المواد المستخرجة من الحيوانات المحرمة قد استخدمت في تصنيع أو معالجة الأدوية أو مستحضرات التجميل التي يستخدمونها.
فما هو الاعتراض الذي يمكن أن يكون لدى أي شخص على شهادة الحلال؟ فهي لا تتعارض مع الممارسات الدينية لغير المسلمين. ولا تؤثر بأي شكل من الأشكال على حياة الهندوس. فهل مجرد رؤية شهادة الحلال تدنس أنصار حزب بهاراتيا جاناتا؟
ما هو الدافع وراء حظر شهادة الحلال وإجبار أصحاب المتاجر المسلمين على الكشف عن هوياتهم، بخلاف جعل حياة المسلمين أكثر صعوبة وتعقيدًا؟
لقد أثارت هذه الموجة الجديدة من العنف والاضطهاد ضد المسلمين في الهند حيرة العديد من المحللين. فقد تصوروا أن انخفاض قوة حزب بهاراتيا جاناتا في البرلمان سيجبره على التفكير مليًا في سياساته وضبط نفسه. ولكن بدلًا من ذلك، أصبح الحزب أكثر وقاحة وعنفًا.
ويرى البعض أن هذا التطور هو نتيجة لصراع داخلي على السلطة داخل حزب بهاراتيا جاناتا. ويزعم البعض الآخر أن رئيس الوزراء ناريندرا مودي يحاول تحميل قادة الولايات، مثل رئيس وزراء ولاية أوتار براديش يوجي أديتياناث، المسؤولية عن الخسائر الانتخابية.
ويذهب البعض إلى القول بأن أديتياناث، من خلال تصعيد اضطهاد المسلمين في ولايته، يرسل رسالة مفادها أنه أكثر قسوة والتزامًا بالقضية من مودي، وبالتالي فهو يستحق منصبه.
ومن المرجح أن يكون هناك قدر من الصحة في هذه الحجج. فليس فقط في أوتار براديش، بل في جميع الولايات التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا، يبدو أن السلطات تتنافس فيما بينها لزيادة الضغوط على المسلمين، بهدف إثبات ولائهم للقومية الهندوسية وتعزيز مواقعهم داخل الحزب.
ومن المؤسف أنه عندما يتعلق الأمر بحزب بهاراتيا جاناتا، يبدو أن حتى النكسات الانتخابية الكبيرة والصراعات الداخلية على السلطة تترجم إلى المزيد من العنف ضد المسلمين، بدلًا من اتباع نهج أكثر حكمة وتعقلاً في الحكم.
اليوم، نشهد هجومًا متجددًا على المسلمين في الهند، لأن أيديولوجية حزب بهاراتيا جاناتا معادية للمسلمين والمسيحيين في جوهرها، ولا تستطيع البقاء والاستمرار دون ممارسة العنف ضد هذه الأقليات. وسيظل المسلمون والأقليات الأخرى عرضة للهجوم في الهند طالما ظل حزب بهاراتيا جاناتا في السلطة، سواء بمفرده أو في إطار حكومة ائتلافية.
لكن ما يثير القلق بشكل خاص اليوم، بالإضافة إلى التحريض المستمر للحزب على العنف ضد المسلمين، هو الاستعداد الواضح والمفاجئ لجميع مؤسسات الدولة، مثل الشرطة والإدارة المدنية، لتنفيذ هذه الهجمات ذات الدوافع الأيديولوجية.
فهم الآن، وفي توافق تام مع مواقف حزب بهاراتيا جاناتا، يضايقون المسلمين ويضطهدونهم دون الحاجة إلى توجيه أو إيعاز من القيادة السياسية.
وهذا يعني أن المسلمين سيواجهون تهديدات أكثر حدة وخطورة في حياتهم اليومية في هذا العصر الجديد في الهند.